أهل السعودية أدرى يا صندوق النقد الدولي !
بقلم د. عبد العزيز بن محمد العواد
صدر مؤخراً البيان الختامي الصادر عن خبراء الصندوق بشأن بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2022 حول الوضع الاقتصادي في السعودية، وسأحاول في هذا المقال تبسيط أهم ما جاء فيه والتعقيب على توصيات الصندوق للحكومة السعودية.
ويرجع تاريخ نشأة صندوق النقد الدولي إلى يوليو 1944م باتفاق بين ممثلي 45 حكومة في مؤتمر عقد في بريتون وودز الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأ عمل الصندوق فعليا في ديسمبر1945م. ويبلغ عدد الدول الأعضاء في الصندوق اليوم 190 دولة، وتمتلك السعودية مقعداً دائما في المجلس التنفيذي لإدارة الصندوق الذي يتألف من 24 مديرا يرأسهم المدير العام للصندوق.
وبالعودة إلى البيان الصادر عن خبراء الصندوق ، أكد البيان أن السعودية قد نجحت في التعامل مع جائحة كوفيد – 19، كما أنها في وضع يمكنّها من تجاوز المخاطر الناجمة من الحرب الروسية – الأوكرانية، وتشديد السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى ورفع البنوك المركزية للفائدة تباعاً في العالم، كما شهدت الأنشطة الاقتصادية في السعودية انتعاشاً قوياً مدعوماً بارتفاع أسعار النفط والإصلاحات التي تم إطلاقها وفقاً لرؤية 2030، كما ستساعد ا لإصلاحات الهيكلية المخطط لها على تحقيق تعافٍ قوي وشامل وصديق للبيئة.
بالنسبة لمعدلات التضخم، فقد أكد الصندوق على احتواء السعودية للتضخم في المعدلات الطبيعة، رغم معاناة اقتصادات متقدمة من معدلات تضخم مرتفعة، ولهذا فقد بلغ متوسط التضخم في السعودية 3,1% في عام 2021م، وما يفسر بقاء التضخم منخفضاً عند مستوى 2,3% (على أساس سنوي) في إبريل 2022م هو محدودية انعكاس أسعار الأغذية والسلع الأولية في الأسواق العالمية على الأسعار داخل السعودية، نظرا لتحديد بعض الأسقف السعرية ودعم الأسعار، إلى جانب انخفاض الإيجارات، التي تمثل أكثر من 20% من سلة الرقم القياسي لأسعار المستهلك. ومع ذلك، يشير تصاعد أسعار السلع الأولية، وارتفاع تكاليف الشحن والخدمات اللوجستية إلى ارتفاع التضخم في الفترة القادمة ومن المتوقع أن يكون معدل التضخم 2,8% للعام الحالي.
وأشار البيان إلى أن الاقتصاد السعودي حقق معدل نمو قوي بلغ 3,2% في عام 2021م، مدفوعاً في الأساس بتعافي قطاع التصنيع غير النفطي وقطاع التجزئة والقطاع التجاري. ورغم زيادة مشاركة المواطنين في القوى العاملة وما حققه ذلك من تعويض عن مغادرة الوافدين، انخفض معدل البطالة بين السعوديين ليصل إلى 11%، أي بتراجع قدره 1,6 نقطة مئوية عن عام 2020م، نتيجة ارتفاع معدلات توظيف المواطنين السعوديين وبخاصة المرأة في القطاع الخاص. وقد تحسن الحساب الجاري نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج النفطي، حيث حقق الحساب الجاري فائضاً قدره 5,3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021م، بعد أن سجل عجزاً قدره 3,2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020م، حيث تجاوزت الصادرات القوية المدفوعة بالنفط الواردات المتنامية والتدفقات الخارجة الكبيرة من تحويلات الوافدين. وتراجعت الاحتياطيات الأجنبية إلا أنها ظلت عند مستويات مريحة جداً. ويتوقع خبراء الصندوق تحقيق فائض يبلغ 5,6% من إجمالي الناتج المحلي هذا العام. وسوف تتراجع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي على مستوى الحكومة إلى 24,2%، في حين ستتحسن نسبة صافي الأصول المالية إلى إجمالي الناتج المحلي للحكومة المركزية لتبلغ 8,7%، مقابل 17,7% في 2021م.
أما عن التوصيات فقد أكد الصندوق على ضرورة الإبقاء على معدل ضريبة القيمة المضافة 15%، وأوصى بزيادة الإيرادات المحتملة غير النفطية، مع أهمية تنفيذ استراتيجية متكاملة لإدارة الإيرادات ، والسبب في ذلك على حد توصية فريق البعثة أن هذه النسبة تعد أدنى بكثير من متوسط مجموعة العشرين، ولهذا يتعين تحصيل مزيد من الإيرادات غير النفطية من خلال هذا الباب.
أما عن أسعار الطاقة، فقد رحبت بعثة الصندوق في مضمون بيانها الختامي المتعلق بهذا الجانب بالتقدم المتحقق ، وما أدى إليه من خفض لمستويات الدعم بمقدار النصف خلال الفترة الزمنية ما بين 2010 إلى 2020م، إلا أن الصندوق رأى رغم كل هذا أن مستوى دعم الطاقة لا يزال مرتفعا، وأنه في ظل الارتفاع الكبير لأسعار النفط، فإن المجال متاح على حد قول فريق البعثة لرفع الحد الأقصى لأسعار الوقود، والنظر في زيادة أسعار منتجات الوقود الأخرى بقدر أكبر مما تم ومما كان مخططا له، وذهب فريق البعثة إلى التوصية بتخصيص جزء من المدخرات المتحققة نتيجة هذه الزيادات، وتركيزها على توسيع البرامج الاجتماعية الموجهة بدقة نحو المستحقين كبرنامج «حساب المواطن»، واختتم فريق البعثة توصيته في هذا الجانب، بنصح الحكومة السعودية بالتحول نحو نظام شبكة الأمان الاجتماعي المبني على أساس الاحتياج، وذلك رغم الجهود المستمرة، وبعد عرض لأهم ما جاء في البيان، أعقب بعدد من النقاط:
أولاً، التأكيد على أن علاقة السعودية بالصندوق لا تتجاوز المشاورات والتوصيات فقط، فالسعودية ولله الحمد تمتلك قدرة مالية كبيرة تنافس وتتفوق على الدول الكبرى، وبالتالي لسنا في موقف ليفرض علينا الصندوق أجندته وشروطه، وكما أوضحت في بداية المقال فالصندوق كان نتاج الحرب العالمية الثانية بدعم من القوى المنتصرة بعد الحرب؛ وبالتالي لا نتوقع منه إلا تنفيذ أجندتهم، وحقيقة أرى أن صندوق النقد هو مؤسسة (مسيسة) خاصة مع سيطرة الدول الكبرى على القرار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي تملك أكبر قوة تصويتية في الصندوق بما يعادل مساهمتها في رأسمال الصندوق البالغة 17.4 %، ثم اليابان ثم الصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا .
ثانياً، توصيات صندوق النقد نسخة واحدة محفوظة لكل الدول النامية، من خلال رفع الأسعار وزيادة الضرائب، والتقشف، وأرى أن هذه التوصيات مانعة للنمو الاقتصادي المعتمد أصلا على الإنفاق الحكومي، وجارحة لطبقات ذوي الدخل المحدود فلا تراعيهم ولا ترأف بحالهم لهذا اكتسب الصندوق كراهية الشعوب، لأنه حينما يقرض بلدا ما تعرض لأزمة مالية فإن تدخله يكون فتاكاً بالشعوب، لأنه يطالب الحكومة مباشرة بزيادة الضرائب وتقليل الإعانات وهي تدخلات تمس معيشة الناس مباشرة، ولهذا السبب تتجنب الدول طلب تدخل الصندوق ولا تلجأ إلى مساعدته إلا إذا لم تجد منقذا غيره، لأن تدخلاته مزعجة على المستويين الاجتماعي والمعيشي للناس. فسياسات الصندوق تؤدى إلى زعزعة الثقة بين المواطن وحكومته والتسلط على اقتصاده وهو ما حدث في بلاد كثيرة.
ثالثا، ما يخص التوصية بتثبيت ضريبة القيمة المضافة بالقيمة الحالية 15% ورفع أسعار الوقود في الفترة المقبلة، فأرى أن النمو في الاقتصاد السعودي يعتمد على الإنفاق الحكومي وكبر حجم الاستهلاك المحلي، وبالتالي فإن تثبيت الضريبة سيقلل الطلب الاستهلاكي وتقليل النمو فالاستهلاك هو محرك الاقتصاد، كما أن رفع سعر الوقود سيزيد من الأعباء على الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، ويثقل كاهلها بمزيد من الأعباء، وسيؤدى الى موجة تضخمية جديدة في ظل سعي الحكومة السعودية الحثيث لمجابهة تداعيات الموجة التضخمية الحالية التي تضرب العالم.
رابعاً، أهل مكة أدرى بشعابها، فالسعودية غنية برجالها ونحن أدرى و أعلم وأقدر من مستشاري الصندوق على معرفة وتطبيق ما يحتاج إليه اقتصادنا، فالتقرير أشاد بالعديد من النقاط في الاقتصاد السعودي ونجاحه في عبور أزمات قوية مثل انخفاض أسعار النفط ، وكوفيد – 19، والحرب الروسية الأوكرانية ، والموجة التضخمية العالمية، ولكن تلك النجاحات لم تكن إلا بفضل الله ثم بسياسات وطنية أصيلة نفذها أبناء الوطن.
واختم مقالي بالشكر لصندوق النقد الدولي على شهادته بحق الاقتصاد السعودي، لكني أطلب منهم أن يحتفظوا بتوصياتهم لهم.