الابتكار.. ونظام تعليمي معاصر

بقلم د. عبد العزيز بن محمد العواد

أظهر مؤشر الابتكار العالمي لعام 2016 الذي أطلق رسمياً في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بمدينة جنيف، تصدّر سويسرا عالمياً في المؤشر، تلتها دولة السويد في المرتبة الثانية، ثم بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية، وحلت فنلندا في المرتبة الخامسة. بينما حلت المملكة العربية السعودية في المرتبة (49) عالمياً بتراجع ست مراتب عن العام السابق. ويدلل هذا الترتيب على وجود ما يطلق عليه «فجوة ابتكارية» قائمة بالمملكة، من ثم يعتبر الاستثمار بهدف تحسين جودة الابتكار أمر ضروري لسد تلك الفجوة القائمة وتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق رؤية المملكة 2030، ولا بد من وجود الإطار الأساسي الذي يدعم هذا الاستثمار، ولا بد من التركيز على إصلاح التعليم وإنماء القدرات البحثية للتمكين من زيادة القدرات التنافسية بنجاح، في عالم سريع التغير تسوده العولمة.
ومن ناحية أخرى، عندما نتطرق لمخرجات تقرير التنافسية لعام 2016 ومؤشراته، وبالأخص مؤشر التعليم العالي والتدريب وهو المؤشر الفرعي الخامس في المؤشر الكلي لتنافسية الدول، الذي يقيس معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية والتعليم العالي، وكذلك جودة التعليم حسب تقييم مجتمع الأعمال، بالإضافة إلى تدريب الموظفين، نجد أن ترتيب المملكة العربية السعودية في المركز (49). الأمر الذي يظهر أن عدم وجود عمالة جيدة يعتبر من أهم المعوقات التي تواجه قطاع الأعمال، وبالتالي يعتبر «التعليم العالي والتدريب» أمراً بالغ الأهمية لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي ترغب في الارتقاء في سلسلة القيمة لعمليات الإنتاج، وكان ذلك الأمر الخاص بتعزيز القدرات الابتكارية ومدى جودة نظام التعليم الركائز الأساسية لمشاركتي بالحلقة النقاشية «السنوات التحضيرية بين متطلبات سوق العمل ورؤية 2030» ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الثاني للسنوات التحضيرية بالجامعات السعودية، والذي عقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الفترة من 9 إلى 10 جمادى الآخر 1438هـ.
إن مشاكل نظام التعليم الحالي بمنطقة الخليج عموماً تتركز -من وجهة نظري- في التحديات الاقتصادية والثقافية، وعدم مواءمة المخرجات مع متطلبات سوق العمل، وعدم الاهتمام بالمواهب، فضلاً عن الاهتمام بالكم لا بالكيف، فنظام التعليم الحالي تم بناؤه إبان الثورة الصناعية، لذا فجميع مكوناته مستمدة من العقلية الصناعية التي لا تتواءم مع متطلبات العصر الحاضر. وسأذكر مثالاً يدل على تخلف نظام التعليم الحالي، وهو أن نفقات السجون تفوق كثيراً نفقات التعليم، فكلفة الإنفاق على السجين تبلغ في المتوسط 29 ألف دولار سنوياً مقابل 9 آلاف دولار للإنفاق على طالب المرحلة الثانوية.
لذا لا بد من العمل على ابتكار نظام تعليمي معاصر، يكون جوهره الإبداع والابتكار، يقوم على توليد المعرفة، وله أربعة أدوار محددة، وهي: الروحي لتقوية العلاقة برب العالمين وبهدي رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، ومعرفة حق الله وحق عباده، والفقه في المعاملات والعبادات، والشخصي لتنمية المواهب والإمكانات الفردية والمشاعر الذاتية، والثقافي لتعميق درجة الفهم للعالم ولثقافاته المختلفة، والاقتصادي لتوفير المهارات اللازمة لكسب الرزق والتحويل إلى كيان منتج اقتصادياً. ولا بد من الإبقاء على هذه الأدوار الأربعة قيد الملاحظة الدقيقة، والتعزيز والربط بالتساوي، لأن فهم الطريقة التي تتشابك بها هذه الأدوار هو مفتاح التحويل، كما ذكر ذلك صاحب كتاب «حرر أفكارك تعلم أسرار الابتكار».
ختاماً.. أرجو أن تكون هناك مبادرة خليجية، هدفها تفعيل إطار أساسي موحد للابتكار بالمنطقة، يكون جوهره إيجاد نظام تعليمي معاصر قائم على الإبداع والابتكار، ويكون لنا فيه سبق الريادة، بهدف تدعيم آليات التحوّل والتنوع الاقتصادي والرفاه المجتمعية، وبما يساهم في تحقيق رؤى 2030 لدولنا الخليجية.