ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار
بقلم د. عبد العزيز بن محمد العواد
يعرف التضخم بأنه الزيادة العامة في قيم الأسعار، مما يترتب على ذلك انخفاض في القيمة الشرائية للنقود، فينعكس مستقبلاً على انخفاض في مستوى معيشة الافراد، ويتم حساب معدل التضخم بالنسبة لسنة معينة تعتبر كنقطة أساس، وتكون المقارنة على أساسها، وعلمياً هو مصطلح اقتصادي شهير، فهو مرتبط لدى العامة بالارتفاع في الأسعار.
والتضخم يعد من أهم المشاكل التي تواجه الافراد والحكومات وقطاع الأعمال على حدٍ سواء، وهو من أخطر المشكلات التي تواجه العالم، ويمتد تأثيره على جميع مناحي الحياة، ولذلك يعد تخفيض معدل التضخم من أهم التحديات التي تواجهها جميع حكومات العالم.
ويعرفه بعض الاقتصاديين بأنه زيادة في حجم النقود في السوق، والذي ينتج عنه فقدان للقيمة الحقيقيّة للعملات، ويقابله ارتفاع في سعر السلع والخدمات في الأسواق التجاريّة، فهو ارتفاع مستمر ومؤثر في المستوى العام للأسعار يمتد لفترة زمنية، وبالتالي فإن الزيادة المؤقتة لا تعتبر تضخماً، كما أن التضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للأفراد، مما يعني انخفاض كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بنفس المبلغ.
أما عن أسباب التضخم فهو يحدث لعدة عوامل بعضها اقتصادي نتيجة اختلال قوى العرض والطلب، فيحدث في كثير من الأحيان أن يكون الطلب كبير ولا تستطيع قوى العرض تلبية الزيادة، وسبب أخر هام وهو التضخم المدار فيمكن أن تؤدى السياسات المالية التي تقرها دولة ما الى حدوث التضخم وبخاصة السياسات المالية المتعلقة بالرسوم والضرائب، وهذا هو التضخم المختلق، وليس التضخم الطبيعي العائد لعوامل اقتصادية. وبالانتقال الى الحديث عن التضخم في السعودية والذى بلغ 3.4% في 2020، فنجد أن الاقتصاد السعودي هو اقتصاد مفتوح لا توجد فيه قيود على حركة السلع والأموال، كما اختارت المملكة عبر سنوات ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وايضا تعتمد الإيرادات الحكومية بشكل كبير على القطاع النفطي، بالرغم من الزيادة الملحوظة في الإيرادات الغير نفطية في السنوات الماضية خاصة بعد تطبيق رؤية 2030، بالإضافة الى اعتماد المملكة على استيراد السلع من الخارج حيث مازالت القاعدة الصناعية السعودية غير قادرة على تلبية الطلب المحلى بشكل كبير، ونتيجة لتلك العوامل يحدث حالياً في الاقتصاد السعودي تضخم مزدوج داخلي وخارجي، فأغلب السلع والخدمات مستوردة في الاقتصاد السعودي، وبالتالي تأتي هذه السلع والخدمات متضخمة في أسعارها من الخارج نتيجة للتضخم في بلادها، بالإضافة الى الرسوم والضرائب داخل المملكة، وفي المقابل ثبات سعر صرف الريال مقابل الدولار، يضعف من زيادة معدل التضخم في المملكة والذي يقلل من عملية أن يكون هناك تسارع في عملية التضخم.
ويقاس التضخم في السعودية بالرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة بالتركيز على التغير في أسعار مجموعة السلع والخدمات شهرياً والجهة المنوط بها القيام بتلك العملية الهيئة العامة للإحصاء وتصدر تقارير شهرية وسنوية دورية حول معدلات التضخم في السعودية، ويتناول المؤشر مئات السلع والخدمات الموزعة على 12 مجموعة رئيسة، هي الأطعمة والمشروبات، والتبغ، والملابس، والسكن وتوابعه، والتأثيث، والصحة، والنقل، والاتصالات، والترويح، والتعليم، والمطاعم والفندقة، والسلع الأخرى.
وفي داخل كل مجموعة رئيسة مجموعات فرعية. وفي كل مجموعة يتم حساب متوسط لها بناءً على مجموع التغير في السلع التي تضمنتها المجموعة، فمجموعة الاطعمة والمشروبات على سبيل المثال تضم الحبوب ومنتجاتها، واللحوم، والأسماك، والحليب، والزيوت، والخضروات، والفواكه، والسكر، والمشروبات، ومواد غذائية أخرى، ويتم تحديد الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة بناءً على تلك المجموعات، ثم تطبق المعادلة التالية للحصول على معدل التضخم: الرقم القياسي للفترة الحالية ÷ الرقم القياسي العام للفترة المقارنة من العام السابق * 100.
وفى هذا الإطار يمكننا أن نقارن بين تطور معدل التضخم عام 2000، وعام 2020، فبحسب الإحصاءات الصادرة من البنك المركزي السعودي والهيئة العامة للإحصاء كان معدل التضخم سلبي لعام 2000م، (1.3%) وبلغ معدل نمو الاقتصاد 5.6 %، وكان قيمة الناتج المحلى الإجمالي لنفس العام (706,655) مليار ريال، وعدد السكان حينها 20.4 مليون نسمة، حيث بلغ متوسط دخل الفرد (34511) ريال سعودي.
أما في عام 2020، فقد بلغ معدل التضخم السنوي في المملكة نسبة مرتفعة، 3.4 %، مقارنة بعام 2019م، وقد كانت تلك الزيادة انعكاساً لزيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% لـ 15% والتي تم تطبيقها في يوليو 2020 فسجل قسم الأغذية والمشروبات ارتفاعاً بنسبة 9.3% واللحوم 11.5% والخضراوات 17.1%، كما سجل قسم التبغ ارتفاعاً بقيمة 7.1%، والاتصالات 4.8%، وقسم الأثاث 4.6% والنقل 3.8% وقسم الخدمات 4%، كما سجل قسم السكن والمياه والكهرباء انخفاضاً قيمته – 0.6% والتعليم – 2%.
ووفقاً لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء فقد تراجع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1٪ في عام 2020 مقارنة بعام 2019 بقيمة 2.6 تريليون ريال سعودي وبلغ عدد السكان 35 مليون نسمة، وسجل متوسط دخل الفرد فيها (74763) ريال سعودي.
بالمقارنة بين العامين 2000 -2020 ومع تغيير سنوات الأساس من 1999 الى 2007 ثم 2017، نلحظ ارتفاع في الناتج المحلى الإجمالي بنحو ثلاثة اضعاف ونصف، وكذلك ارتفاع نصيب دخل الفرد من الناتج المحلى بنحو الضعفين، الا أن كل تلك الزيادة تم التهامها من قبل التضخم على مدار عشرين عاماً ،فدخل الفرد ينظر إليه على انه نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي ويشير إلى الحالة الاقتصادية للفرد وحجم اقتصاد الدولة ، فدخل الفرد السعودي نما خلال عشرين عاماً مع ارتفاع عوائد النفط وتحسن الاقتصاد المحلي، إلا أن ذلك لا يشير إلى الدخل الحقيقي للفرد مع تفاوت دخل الأفراد المالي والمعيشي.
وقد تأثر دخل الفرد في المملكة بالتضخم المزدوج نتيجة استيراد معظم احتياجاتها من الخارج وبالتالي تأتى السلع الى الموانئ السعودية متضخمة في بلادها ثم تفرض عليها الضرائب والرسوم داخل المملكة.
يوجد العديد من الأليات التي يمكن أن ننتهجها لكبح التضخم، من أهمها تشجيع المواطن السعودي على الادخار وتوفير القنوات الرسمية الفعالة لذلك؛ الأمر الذي سينعكس على انخفاض معدلات الاستهلاك وبالتالي انخفاض التضخم، ومرتبط بهذا الأمر ترشيد السلوك الاستهلاكي للمواطنين، فالله تعالى ذكر في محكم كتابه ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا )، وفى عصرنا هذا من الممكن أن يتم هذا من خلال حملات توعوية تثقفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة، ويمكن دعم بعض السلع الرئيسية، ودعم بعض المواد الخام لتشجيع الصناعات المحلية على منافسة المنتج المستورد، و يمثل خفض ضريبة القيمة المضافة وبعض الرسوم الحكومية عاملاً هاماً في خفض معدلات التضخم، كما يمكن أن يلعب البنك المركزي دوراً محورياً في كبح التضخم من خلال الحد من قدرة البنوك على منح القروض وبالتالي تقليل السيولة النقدية في السوق.
وبعد استعراض ملامح التضخم في المملكة، يتضح ان التضخم مشكلة خطيرة يستوجب وضع آليات لكبحه وتخفيف آثار غلاء المعيشة عبر السياسة المالية لوزارة المالية والسياسة النقدية للبنك المركزي، مع قيام الوزارات المعنية بتشديد رقابتها على الأسواق للمحافظة على ثبات أسعار السلع.